تأثير الهاتف النقال على المستوى الدراسي للتلاميذ: بين الضرورة التربوية ومخاطر التشتت
مقدمة :
تحوّل الهاتف النقال خلال العقد الأخير من أداة اتصالٍ بسيطة إلى منصةٍ شاملة للتعلم
والترفيه والتواصل الاجتماعي. ومع انتشار الهواتف الذكية بين التلاميذ في المراحل الإعدادية
والثانوية، تعاظم الجدل حول انعكاساتها على التحصيل الدراسي: هل تعزّز التعلم بفضل
مواردها الرقمية، أم تُضعفه بفعل التشتت وفرط الاستخدام؟ الأبحاث الحديثة تقدّم صورة
مركّبة: أثرٌ سلبي صغير لكنه ثابت عند الاستخدام غير المنضبط، مقابل مكاسب تعليمية
ملموسة عند التوظيف المقصود والمنظم داخل الصف وخارجه. تُناقش هذه المقالة أبرز مسارات
التأثير وآليات الحد من المخاطر وتعظيم الفوائد، استناداً إلى ميتا-تحليلات ودراسات
حديثة.
أولاً: ماذا تقول الأدلة الحديثة مجتمِعة؟
تشير ميتا-تحليلات حديثة (2024–2025) إلى وجود ارتباط سلبي صغير ولكن دالّ إحصائياً
بين كثافة استخدام الهواتف/الوسائط الرقمية وبين الأداء الأكاديمي. فقد خلص تحليل واسع
نُشر في 2025 إلى أن زيادة استخدام الهاتف الذكي ووسائل التواصل والألعاب يرتبط بانخفاض
طفيف في النتائج الدراسية، مع تفاوت التأثير بحسب العمر ونمط الاستخدام (ترفيه عابر
vs. تعدد مهام أثناء الدراسة). وأكّد تحليلٌ نوعي-كمي آخر أن “الاستخدام الإشكالي”
للهاتف (Problematic Smartphone Use) يرتبط بانخفاض التحصيل، ما يعزّز فرضية أن المشكلة
ليست في الجهاز ذاته بقدر ما هي في أنماط الاستخدام التي تُضعِف الانتباه الذهني وتُنَمِّط
العادات الدراسية السريعة والمتقطّعة. وفي دراسة ميتا-تحليلية حديثة (Acta
Psychologica, 2025) تبيّن أن تكرار استخدام الهاتف يرتبط سلبياً—وإن بشكل صغير—بدرجات
الطلبة، مع دور لعوامل مُعدِّلة مثل الهدف من الاستخدام والبيئة الصفّية وسياسات المدرسة.
ثانياً: قنوات التأثير السلبية
1) التشتت وتعدّد المهام
المتابعة المتكرّرة للإشعارات والتنقل بين التطبيقات أثناء المذاكرة تُعرقل الذاكرة
العاملة وتُضعف تركيز التلميذ، ما ينعكس مباشرة على الفهم والتثبيت.
2) اضطراب النوم
يُعدّ وقت الشاشة قبل النوم، ولا سيما الضوء الأزرق والتفاعل الاجتماعي المتأخر، من
أبرز محدّدات اضطراب جودة النوم لدى اليافعين؛ وهو عامل معروف الأثر على الانتباه والذاكرة
والتحصيل في اليوم التالي.
3) الصحة النفسية والإنهاك المعرفي
الاستخدام الإشكالي يرتبط بارتفاع أعراض القلق والاكتئاب واضطراب الإيقاع اليومي، وهي
عوامل تضعف الاجتهاد والمثابرة الدراسية.
ثالثاً: ماذا عن سياسات المدارس؟
تزايدت عالمياً سياسات تقييد الهواتف داخل الصفوف، إذ تُفيد اليونسكو بأن نحو 60 نظاماً
تعليمياً تبنّى بحلول نهاية 2023 سياسات أو قوانين تحدّ من الهواتف في المدارس، مع
توسّع هذه الموجة في 2024–2025. تعكس هذه السياسات إدراكاً متنامياً لدى القيادات المدرسية
بأن الهواتف تُضعف التحصيل والانتباه.
رابعاً: متى تكون الهواتف مفيدة تعليمياً؟
يظهر الوجه الإيجابي عندما تُستخدم الهواتف لأغراض تعليمية واضحة، مع تصميم نشاطات
تتطلب البحث السريع أو التصوير العلمي أو التطبيقات المخبرية والمحاكاة. هنا يصبح الهاتف
وسيلة لإثراء الدرس بدل منافسته، بشرط تحديد الهدف والزمن وإيقاف الإشعارات غير التعليمية.
خامساً: توصيات عملية للأسرة والمدرسة والطلبة
1) للأسرة: تحديد “ساعات خالية من الهاتف”، استخدام أدوات الضبط، والنمذجة السلوكية.
2) للمدرسة: وضع سياسة واضحة، إدماج التربية الرقمية في المناهج، وتصميم تعلم نشط.
3) للطلبة: اتباع قاعدة 20/5، تقليل الإشعارات، وتنظيم النوم الرقمي.
سادساً: ماذا نتوقع من سياسات “التقييد الذكي”؟
تشير خبرات دولية إلى أن تقييد الهواتف أثناء الحصص يمكن أن يرتبط بتحسنٍ في الانضباط
والانتباه و—أحياناً—النتائج، وإن كانت شدة الأثر تختلف بحسب التنفيذ والثقافة المدرسية.
خاتمة
الهاتف النقال ليس “عدواً” للتعليم بقدر ما هو أداة قوية مزدوجة الحافة. تُظهر الأدلة
الحديثة أن الارتباط السلبي موجود لكنه صغير عموماً، ويشتدّ عندما يتداخل استخدام الهاتف
مع لحظة التعلم ويعطّل النوم والصحة النفسية. الحلّ ليس المنع المطلق ولا الإطلاق الحرّ،
بل التنظيم الذكي: ضبط المكان والزمان، وتربية رقمية ممنهجة، وتصميم تعلم نشط يجعل
التقنية خادماً للتعلّم لا منافساً له.
المراجع الحديثة:
- - Frontiers in Psychology (2025): Smartphone use and academic performance meta-analysis.
- - Acta Psychologica (2025): Repeated smartphone use and students’ grades.
- - UNESCO (2025): Mobile phones in schools policies.
- - Pew Research Center (2024): Public attitudes toward phone bans in schools.
- - NCES (2025): Principals’ views on mobile phone use and student achievement.